معجم المصطلحات الكبير
خطّ مغْرِبي
الخِطاطة

خطّ انتشر في جميع أنحاء إفريقيا الشمالية عدا مصر وطرابلس وبعض جهاتها الوسطى، وهو ملطّف من الكوفي القديم لم يتميّز عنه كثيرا، وهو على أربعة خطوط في العموم، الخط الأندلسي أو القرطبي والخط الجزائري والخط الرباطي أو الفاسي والخط التونسي أو القيرواني، وهذه الخطوط منسوبة إلى الحواضر العلمية والثقافية في المغرب. تضعضع الخط المغربي اليوم تضعضعا شديدا وأزرت به الأيام وأخنت، وكاد يزول زوالا تاما بعد أن كان من أهم الخطوط العربية وأقدمها عهدا وأكثرها انتشارا، وأكثر ما اُستعمل هذا الخط في كتابة النصوص وفي وظائف الوراقة من كتابة المصاحف الشريفة وتدوين المؤلّفات والأخبار، وأُختير له قلم مذبّب دقيق القطّة فأنعدمت فيه لذلك الموازين والضوابط التي أحكمت الحروف في الخطوط المشرقية عامّة، وقد كان تعلّم الكتابة عند المغاربة يختلف عمّا هو عليه في المشرق، يقول ابن خلدون : وليس الشأن في تعليم الخطّ بالأندلس والمغرب، كذلك في تعلّم كلّ حرف بانفراده، على قوانين يُلقيها المعلّم للمتعلّم، وإنما بمحاكاة الخطّ من كتابة الكلمات جملة، ويكون ذلك من المتعلّم ومطالعة المعلّم له، إلى أن يحصل له الإجادة ويتمكّن من بنانه الملكة فيُسمّى مجيدا. فالمتعلّم للخط يأخذ للوهلة الأولى نصّا يراه مثالا جيّدا لنقله، ثمّ يُحاول أن يُشاكله حتّى يقرب في نقله من هيئته العامّة.

جاء الخطّ المغربي من الكوفي القديم، وأقدم ما وُجد منه يعود إلى ما قبل القرن الثالث، وقد كان انتقال الخطّ العربي إلى شمال إفريقيا عن طريق المدينة المنوّرة أوّلا ثمّ الشام ثانيا، وكان تطوّر الخطّ يسير بخطوات سريعة في المشرق في حين ظلّ على عهده الأوّل في بلاد المغرب محتفظا بطابعه الخاصّ. فقد بدأ المغاربة بتلطيف أشكال الكوفي اليابسة الحادّة، وأضافوا إليه النقط والشكل كي يكتسب الدقّة والضبط، ثمّ تحوّل بالتدرّج وطول العهد إلى الكتابات المتميّزة الحالية، وقد احتفظ بما يقرب من عشرة أحرف أصلية مُكوّفة يابسة من الخطّ الكوفي الجاف، تُكتب بشكل واحد في الابتداء والتوسّط والتطرّف، وقد أعاق هذا سير القلم، وأضطرّ الكاتب أن يرفع يده من الحرف في الكلمة ليبتدئ الحرف التالي من طرف آخر، ممّا خلّف تنافرا كبيرا بين الرسوم، ومن مميزات هذا الخط النِداصة التي تلحق الألف المتّصلة، وهي زائدة تنحدر عن الساي، ولعلّ مرجع ذلك إلى بدء رسم الألف من أعلى، ولهذه النداصة أصل في الكتابات الكوفية قبل القرن الثالث والكتابات النبطية قبلها، كما لا تثبت فيه أبدا سنّتا الصاد والضاد في وسط الكلمة أو في أوّلها، ومن مميّزاته أيضا التعريق المبالغ فيه لبعض الحروف كالسين والصاد واللام والميم والنون وغيرها، أمّا محاجر الطاء والضاء والصاد والضاد فلها شكل إهليليجي مستدير من أعلاه، مقارنة مع الخط النسخي الذي تبدو فيه هذه المحاجر على شكل اللوزة أو المثلّث.

ويتنوّع الخطّ المغربي من حيث الاستعمال إلى ثلاثة أنواع، هي الخطّ الورّاقي أو خطّ التحرير الذي استعمل في الاستنساخ والتدوين، والخطّ المصحفي الذي كُتبت به المصاحف على الخصوص، والخط التذكاري المنقوش على الجدران والقباب والعمائر، ففي الورّاقي قلّما نجد فيه الخطوط المحكمة الرصينة، وذلك لقلّة المجوّدين فيه الذين يكتبون على القواعد والأصول، فتتميّز الأصابع فيه وهي الأجزاء القائمة من الحروف بالانحناء والميل وقلّة الاستقامة، وقد تحمل في طرفها نقطة غليظة ملساء تعود إلى ميوعة الحبر، وسنّ القلم المذبّب الذي يسهل جري المداد فيه، ممّا يضطر الكاتب أن ينقط أحيانا قبل الشروع في رسم الحروف، وأن يستمدّ في كتابة الكلمة الواحدة أكثر من مرّة، وقد جعل هذا الترصيف سيّئا، وهو وصل كلّ حرف متّصل إلى آخر فتارة تفصل بين حروف العَكَثَة الواحدة نَدَحات، وتارة أخرى يعلو خطّ الربط الحرف الذي يجب أن يتّصل به، كما قد ترتبط فيه بعض الحروف التي لا يلحقها الربط أخيرا، كالدال والراء بحرفي الياء والهاء المربوطة، وقلّما توضع نقطتا الهاء المربوطة، ثمّ إنّه ليس لكلّ حرف طابع خاص، لذلك قد يوجد في الصحيفة الواحدة التي كتبتها يد واحدة شكلان أو ثلاثة أشكال مختلفة للحرف الواحد. والخطوط المغربية المجوّدة الحسنة الضبط هي ما كانت في كتابة المصحف الشريف، الذي أولاه المغاربة عناية فائقة، فجوّدوا خطوطه وضبطوا قراءته ومرسومه، وألّفوا في ذلك الكتب التي اشتهرت عنهم، وخطوط المصحف موزونة ومتناسبة بالنسبة للألف، باستثناء العراقات التي تشطط في التقوّس وكبر الحجم، وكذلك رأس العين بالنسبة لعراقتها، ولكن هذه العراقات تتتابع مستديرة في انتظام ينمّ عن روعة وجمال، وامتاز نظام السطر فيها باستقامته ورسوّه، ومردّ ذلك إلى الحروف المبسوطة كالصاد والطاء والكاف واستقامة منسطحات روابط الكلمة.

أمّا الكتابات التذكارية فمعظمها نقوش تأسيسية، تؤرّخ للمباني الدينية والحربية في العصور الأولى، والمبكّر منها كتب بالخط الكوفي، ومنذ أوائل القرن السابع أخذ معماريو المغرب يزخرفون مبانيهم بالخطوط المستديرة، فيما عدا القليل من الأبنية الدينية والمدنية، وفي القرن العاشر كانت الكتابات المستديرة قد عمّت المغرب كلّه بينما انزوى الخط الكوفي واقتصرت مهمّته على كتابة بعض النصوص القصيرة والعبارات الدعائية، ولم تكن عناية المغاربة بالخط الثلثي كبيرة، إذ لم يلق أي نصيب من الاهتمام، لذلك يبدو ضعيفا إذا ما قورن بخطوط الثلث المعاصرة له في بلاد المشرق، كما تدلّ على ذلك الآثار الماثلة في المساجد والقصور. يتنوّع الخط المغربي من حيث المنشأ إلى أربعة أنواع رئيسة: الفاسي أو الرباطي، والقرطبي أو الأندلسي، والقيرواني أو التونسي، والجزائري، والخطّ التمبكتي أو السوداني كما يُسمّى في بعض المصادر، وهو خطّ تونسي رديء جدا، فهذه الأنواع الخمسة هي الوحيدة التي فيها اختلافات ظاهرة بينها، في طول الحروف وقصرها وانخناسها ولطافتها وترصيفها وقطة قلمها، وانفتاح محاجرها أو انسدادها واستقامة أصابعها أو التوائها، أمّا غير هذه الخطوط فكتابات رديئة مشوّشة ومضطربة لا تستقيم على طابع أو ميزان.

لم يُعن المشارقة بالخطوط المغربية مطلقا، ولم ينظروا إليها على أنها خطوط تستحق بذل الجهد في تطويرها أو ابتكار أنواع أخرى منها، ويشبه ذلك إهمال العثمانيين للخط الكوفي، لذلك لا نجد الخطوط المغربية تُذكر ضمن الخطوط الستة أو السبعة، على الرغم من أنّ لها موازين وضوابط أحكمت بعض أنواعها، بينما اعتنى المغاربة بالخطوط المشرقية وبذلوا جهدا في كتابتها وتقليدها، ويظهر ذلك جليا في المخطوطات التي خلّفوها والخطوط التي نقشوها، وإن كان قد انحصر اهتمامهم الكبير في خط الثلث، وتذكر مصادر الخطاطة أنه كان في بلاط المعز بن باديس الكثير من الخطاطين الذين يكتبون الخطوط المشرقية منهم ابن رشيق المسيلي الذي اشتهر بالخطّ الرئاسي، ومنهم في قرطبة إبراهيم البكري الذي كان يعلّم الخط المشرقي قرب جامع قرطبة الكبير، ولعلّ اهتمام المغاربة بالثلث يعود إلى حاجتهم إلى خط يصلح للعلاوين، فالخط المغربي خط ورّاقي لا يصلح إلاّ لكتابة النصوص، لذلك نجد استعمال الثلث غالبا ما يكون في فواصل السور القرآنية وفي علاوين الفصول والأبواب في الكتب، وإذا ما قورن بتلك الخطوط التي أُبدعت في المشرق فإن الخط الثلثي الذي كتبه المغاربة كان ضعيفا جدا.

تعليق

الخطّ المغربي المنسوب إلى المغرب العربي والذي يقابل المشرق، فالنسبة إلى المغرب مغربي على الأصل، وتكون النسبة إلى المغرب الأقصى رِباطي من الرباط العاصمة لهذا البلد العربي الكبير، كما أن الرباط مخصّصة أيضا للدلالة على قُطْر المغرب الأقصى على دَيْدن العرب في تسمية الكلّ بالجزء، كما سُمّيت الجزائر القطر من الجزائر العاصمة، وتونس القطر من تونس العاصمة، والرباط القطر من الرباط العاصمة، وذلك كي لا نقع في الخلط بين المغرب العربي الذي يقابل المشرق العربي والمملكة المغربية التي عاصمتها الرباط، والرباط كلمة عربية صحيحة، ولها في تراثنا الإسلامي معنى جليل.

مصطلح قريب

مراجع

  • معجم الكتابة، خضير شعبان. الطبعة الأولى، 1419. دار اللسان العربي، الجزائر.

الخطّ المغربي المجوّد هو ما كان في كتابة المصاحف، مثل هذه الورقات التي كتبت بالخطّ المغربي والمشكولة بماء الذهب، تعود على الاحتمال الغالب إلى القرن السادس أو السابع. مصدر الصورة: sothebys

أرقة من الرقّ لمصحف كتب في الأندلس أو المغرب في حدود القرن السابع. مصدر الصورة: sothebys

مجموع في الخيل والمكائد والحروب، ومعه غيره في شيات الخيل، ومعرفة كافّة شؤونها، مكتوب بالخطّ الجزائري، والنسخة محفوظة في الزاوية العثمانية بطولقة، الجزائر. مصدر الصورة: ديوان اللغة العربية

مصحف كتب على الرقّ بالخطّ الأندلسي، يعود إلى القرن السادس.

مثال عن الخطّ التمبكتي، من مخطوطة موجودة اليوم في مالي لصاحبها صيدو كمارا.