الداعية، هو عالم مسلم قائم بالدعوة إلى دين الإسلام والمبلّغ له ولأحكامه وتعاليمه وأركانه، والمرشد إلى طريقه. من الدعاة إلى الله الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أرسلهم الله تعالى ليدعوا الناس إلى الإيمان به، وإفراده بالعبادة على نحو ما يريده سبحانه وتعالى، ويتركوا ما سواه. الداعية إلى الإسلام، هو نائب عن الرسول عليه الصلاة والسلام في تبليغ الإسلام ونشره وتبيان سنّة نبيّه وهديه، يتّصف بإيمان شديد بما يدعو إليه ويتصرّف في سلوكه بمقتضى هذا الإيمان ومتطلّباته. له اتصال وثيق بمن يدعوهم، ويمتاز بوعي كبير بطبيعة الواقع الاجتماعي ومعرفة البيئة التي يمارس فيها نشاطه الدعوي. يندرج نشاط الداعية ضمن مجال العمل الخيري العام، لأنّه لا يأخذ عن عمل الدعوة أجرا إلاّ أجر الآخرة، ويتوجّه بدعوته لغير المسلمين ليدخلوا في دين الله، ولأولئك الذين تسمّوا باسم المسلمين وهم لا يعرفون عن الإسلام شيئا ليعلّمهم أحكام الإسلام وعقائده الصحيحة وشرائعه وأخلاقه ويحثّهم على الالتزام به. يوجد تعريف آخر للداعية، وهو: المبلّغ للإسلام، والمعلّم له، والساعي إلى تطبيقه، فهو القائم بالدعوة. ثمّة تعريف للداعية جاء به محمد منير حجاب، هو: «شخص يستهدف التأثير في الناس بأفكار، لديه خلفية ثقافية إسلامية عنها، يؤمن بها ويصدر عنها سلوكه وتصرّفاته، ويستعمل لذلك كافّة إمكانيات ووسائل الإعلام المتاحة، ومختلف الأساليب الإقناعية من أجل تكوين رأي عام إيجابي صوب هذه الثقافة الدينية، ويدركها ويتأثّر بها في معتقداته وعباداته ومعاملاته وَفْق منهج واعٍ وفنّي ومدروس ومخطّط». يعتبر الداعية هو الركن الأوّل والأهمّ في نشاط الدعوة الإسلامية، فمن خلال قدراته الذاتية ومهاراته الشخصية تجد الدعوة الإسلامية القبول من غير المسلمين، وينتشر الإسلام، لذلك ثمّة شروط ومقوّمات لا بدّ أن تتوافر في الداعية الناجح، أهمّها:
1- العلم الغزير : وهو العلم بالإسلام وأحكامه، وتاريخه، وأحداثه، ورجالاته، ومعرفة الردّ على الشبهات التي تثار ضدّ الإسلام وتطعن فيه، ومعرفة استعمال الطرق النفسية للكشف عن الموانع التي تصدّ عن قبول الدعوة الإسلامية، أو لتحطيم خطوط الدفاع الوهمية التي يتمسّك بها المعادون للإسلام، مع التعمّق في علم الكلام أو المنطق واستعمال الأدلّة العقلية والحقائق الكونية الثابتة، وفي الاطّلاع على الدراسات الإعلامية والاتصال والنِّفْسياء ومعرفة الأساليب المستعملة في الدعاية والترويج، والإحاطة بالبَلَغ ووسائل التواصل الحديثة، لأنّها أدوات مهمّة ومكمّلة لعمل الداعية في إحداث تغييرات تدريجية في التصوّرات الذهنية، وفي المواقف الاجتماعية الحيّة والاتجاهات. كما أنّ معرفة اللغة العربية ضرورة ملحّة لمن يريد أن يسلك سبيل الدعوة إلى الله، فليست اللغة العربية في نظر المسلم مجرّد أداة للتخاطب، إنّما هي لغة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، والتشريع الذي يضبط حياة الناس، والمدخل إلى تعاليم الإسلام ودليله إلى منابعه الأصلية، وبغيرها يستحيل معرفة الدين والاجتهاد فيه، إذ لا بدّ لرسالة الإسلام واللغة العربية أن يسيرا جنبا إلى جنب، إضافة إلى ذلك كلّه يلزمه أن يكون عارفا بلغة المجتمع الذي يدعو فيه بدين الإسلام ومجيدا لها.
2- الاستقامة في القول والفعل : وهي تحلّي الداعية بالسلوك القويم، واتصافه بالأوصاف المحمودة والميزات المخصوصة، كالصدق والرحمة والتواضع والكرم والحلم وسعة الصدر وكظم الغيظ، والصبر على أذى الناس مع حبّ الخير لهم، والشفقة على الضعيف، والمجادلة بالتي هي أحسن، وترك المِراء والغضب؛ محقّقا قولَه تعالى: «فاستقم كما أُمرتَ ومن تاب معك ولا تطغوا إنّه بما تعملون بصير» (هود، 112)، ولا يحمل حقدا على أحد ولا يبغض الناس، إنّما يبغض أعمالهم، كما قال تعالى في شأن لوط عليه السلام: «قال إنّي لعملكم من القالين» (الشعراء، 168). لأنّ كثيرا من المدعوّين يتأثّرون بالأفعال أكثر من تأثّرهم بالأقوال، ويرون أكثر ممّا يسمعون، فكثيرا ما يتأثّر المدعوّون تأثّرا ملحوظا بشخصية الداعية، وأسلوبه، وأخلاقه ومعاملاته، أكثر من تأثّرهم بما لديه من طرح وموضوع، وما عنده من علم، ثمّ إنّ الله لا يختار رسلَه إلاّ من خيرة البشر وأفضلهم، لأنّه يأمر بالاقتداء بهم، والسير على سَنَنِهم. من الأمور المؤكّدة أيضا والمرتبطة بنشاط رجال الدعوة، الابتعاد بالنشاط الدعوي عن التورّط في المسائل السياسية التي تربط الحركات بالدول المختلفة، وعن الدخول في المشاكل العنصرية والوطنية والطائفية. ومع هذا كلّه يُشترط في الداعية أن يكون تقيا صادقا في دعوته يعمل بدين الله ظاهرا وباطنا، فكلّما كان الإخلاص أصدق والإيمان أقوى، كان التوفيق أعظم والأجر أكبر، ويجب عليه أيضا أن يمتلك العزيمة والأمل في نجاح دعوته مهما عظمت المتاعب.