معجم المصطلحات الكبير
صَحِیح مُسْلِم
علم الحديث

صنّف الإمام مسلم كتابه من ثلاثمئة ألف (300.000) حديث مسموعة، واستغرق في تهذيبه وتنقيحه خمس عشرة سنة، قال مسلم: ما وضعت شيئا في كتابي هذا إلّا بحجّة، وما أسقطت منه شيئا إلا بحجّة، وقال: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هنا، إنما وضعت ما أجمعوا عليه. يريد ما وجد عنده فيها شرائط الصحيح المجمع عليه. وقد استفاد من خبرة علماء عصره، فعرض كتابه على أبي زرعة الرازي، فكلّ ما أشار أن له عِلّة تركه، وكلّ ما قال إنه صحيح وليس له علّة خرّجه في كتابه. وعدّة أحاديث صحيح مسلم دون المكررات 3030 حديثا، ويبلغ مجموع ما فيه من طرق الأحاديث المختلفة نحو عشرة آلاف (10.000) حدیث.

شرط مسلم في صحيحه : لم ينصّ كلّ من البخاري ومسلم في صحيحيهما، على شرطه، إنّما استنبط العلماء شرطيهما من منهجيهما في تخريج أحاديث صحيحيهما، ويحسن التأكيد هنا على أنّ كلّا منهما أخرج ما توفّرت فيه شروط الصحّة، من اتصال السند بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط من أوّله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علّة، واختلف مسلم عن البخاري في أنه حكم للإسناد «المعنعن» بالاتصال، وذكر ذلك في مقدّمة صحيحه، ورأى أن المعاصرة تكفي لقبول الرواية عنعنةً، وإن لم يثبت اجتماع الراوي والمروى عنه، ولم يحمل البخاري هذا على الاتصال حتى يثبت اجتماعهما. ورأى مسلم أنّ الراوي الثقة لا يروي إلا عمّن سمع منه، ولا يروى عمّن سمع منه إلّا ما قد سمعه. خلاصة القول إن مسلما اكتفى بمعاصرة الراوي لمن يروي عنه عنعنةً، في حين أنّ البخاري لم يكتف بالمعاصرة، وشَرَط لقاءهما ولو مرّة واحدة. شرْط مسلم لا يحطّ من منزلة كتابه، وإن كان شرط البخاري أشدّ، فقد خرّجا ما توفّرت فيه شروط الصحّة. (الوجيز في علوم الحديث، محمد عجاج الخطيب).

تعليق

الموازنة بين صحيح البخاري وصحيح مسلم : لقـد بذل الشيخان البخاري ومسلم ما في وسعهما في تصنيف صحيحيهما تصنيفا علميا دقيقا، يقوم على شروط الصحّة التي لا يختلف فيها أئمة هذا الشأن، فتلقتهما الأمّة بالقبول، وأجمع أهل العلم على أنّهما أصحّ كتابين بعد القرآن الكريم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ليس تحت أديم السماء كتاب أصحّ من البخاري ومسلم بعد القرآن. قال الدهلوي: أمّا الصحيحان فقد اتّفق المحدّثون على أن ما فيهما من المتصّل المرفوع صحيح بالقطع، وأنّهما متواتران إلى مصنّفيهما، وأن كلّ من يهوّن أمرهما فهو مبتدع متّبع غير سبل المؤمنين.

وممّا لا شكّ فيه أنّ لكلّ من الصحيحين ميزات خاصّة به، فقد ترجم البخاري لأبواب كتابه، وكرّر بعض الأحاديث في مواضع مختلفة لفوائد رآها، وقطع بعض الأحاديث وجعلها في مواضع عدّة لبيان حكم أو زيادة فائدة، أو توكيد اتّصال سند وغير ذلك. ولم يعمد مسلم إلى ذلك بل جمع طرق الحديث في مكان واحد بأسانيده المتعدّدة وألفاظه المختلفة فسهّل بذلك تناوله. وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى تقديم صحيح البخاري على صحيح مسلم، وخالف ذلك طائفة من علماء المغرب، وقال بعضهم إنّما قدّم المغاربة صحيح مسلم على صحيح البخاري لأنّ الأول جمع طرق الأحاديث في مكان واحد ممّا يسهّل الرجوع إليها، واستنباط الأحكام منها. وهذا التقديم لا يقتضي أنّ صحیح مسلم أصحّ من صحيح البخاري، وجمهور أهل العلم على تقديم صحيح البخاري على صحيح مسلم لكثرة ما ضمّنه من فوائد، ولأسباب أخرى يضيق المقام بذكرها، وأنصف بعض العلماء في قوله:

  • تشاجر قوم في البخاري ومسلم ⁂ لدي، وقالوا : أي ذين تقدّم
  • فقلت : لقد فاق البخاري صحّة ⁂ كما فاق في حسن الصناعة مسلم

تحسن الإشارة هنا إلى أنّ البخاري ومسلما لم يقصد أحدهما استیعاب الحديث الصحيح في كتابه، بدليل ما ينقل الترمذي وغيره عن البخاري تصحيح أحاديث ليست في كتابه، بل في السنن وغيرها، وقد قال البخاري: ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صحّ، وتركت من الصحاح مخافة الطول. وقال مسلم ليس كلّ شيء عندي صحيح وضعته ههنا، وإنّما وضعت ما أجمعوا عليه، يريد ما وجد عنده فيها شرائط الصحيح المجمع عليه، والحقّ أنه لم يفت الصحيحين، وسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي إلا اليسير، وهذا اليسير يوجد في كتب السنن والمسانيد، وفي المصنّفات بجمع الصحيح فقط، كصحیح ابن خزيمة (311)، وصحيح ابن حبّان (354)، وكتاب المستدرك على الصحيحين لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري (321- 405). (الوجيز في علوم الحديث، محمد عجاج الخطيب).

مصطلح قريب

مراجع

  • الوجيز في علوم الحديث ونصوصه، محمد عجاج الخطيب، المطبعة الجديدة دمشق، 1399، 1979م. دمشق، سوريا.