مَناة، صنم من أصنام العرب القديمة، بل أقدمها، كان منصوبا على ساحل البحر من ناحية المشلل بقديد بين مكّة والمدينة على سبعة أميال من المدينة، ويدلّ هذا الموضع على أنّ لهذا الصنم صلة بالبحر والماء ونشر السحاب وإرسال الرياح التي تأتي بالأمطار فتغيث الناس، إنّه إلهة السحب والرياح المطيرة، لذلك تَمثَّله الجاهلي إلها كريما يُسعِد عباده ويساعدهم في المكاره والملمّات، ويعطيهم ما يحتاجون إليه، وأقام معبده على ساحل البحر. كان العرب جميعا يعظّمون مناة، ويذبحون حولها ويهدون لها، لا سيّما أهل الحجاز: الأزد، غسّان، الأوس والخزرج، قريش، خزاعة وهذيل، وكان الأوس والخزرج أشدّ القبائل تعظيما لها، يحجّون إليها ولا يحفّفون رؤوسهم إلّا عندها، ومنها يهلُّون للحجّ إلى الكعبة. اختلف أهل الأخبار في صورة مناة بين من يقول إنّها صنم على هيئة ومثال، وقد نحتت من حجارة، وبين من يذهب إلى أنّ مناة صخرة سُمّيت بذلك لأنّ دماء النسائك كانت تُمنى عندها، أي تراق، والظاهر أنّها كانت تمثالا من الصخر على هيئة امرأة، خلط بعضهم بينها وبين الصخرة التي يذبح عندها. كان سدنة مناة، وهم الغطاريف من الأزد، يجنون من سدانتهم لها أموالا كبيرة من الهدايا والعطايا والنذور التي كان يقدّمها لها المتعبّدون إلى معبدها باسمها، وقد بقي هؤلاء السدنة يرتزقون باسم هذا الصنم إلى عام الفتح (سنة 8) حيث هدمه المسلمون. وقد تسمّت طائفة من القبائل باسم مناة، مثل عبد مناة، وعبدة مناة، وزيد مناة، وعوذ مناة، وسعد مناة، وأوس مناة.
تقول المصادر العربية إنّ لفظ مناة من المنا والمنية جمع منايا، وتمثّل الموت أو القدر، ومنها مِنًى بمكّة، وهو المكان الذي يُمنى فيه؛ أي يراق فيه الدم، وعلى هذا التخريج تكون مناة إلهة الموت والقدر عند الشعوب العُروبية القديمة وعند العرب، فقد عرفت عند البابليين باسم مامناتو mamnatu وجمعها مانوت أو منوت، كما عرفت عن الآراميين باسم منوتن أو منوت، وعند العبرانيين باسم مناة، جمعها مانوت أو منوت، كذلك كانت من الأصنام المعروفة عند النبط إلاّ أنّها لا تمثل القدر عند العرب، لأنّ القدر في تصوّرهم رجل وليس امرأة حسب ما يرى الربيز: محمد عبد المعيد خان.
كان العروبيون قديما ومنهم العرب يعتقدون أنّ الملائكة بنات الله من الجِنّ، فشنّع القرآن عليهم في ذلك، في قوله تعالى: «وجعلوا بينه وبين الجِنّة نسبا، ولقد عَلِمت الجِنَّةُ إنّهم لمُحضرون» (الصافّات، 158). وكذلك قوله تعالى: «فاستفتهم ألربّك البنات ولهم البنون، أمّ خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون، ألا إنّهم من إفكهم ليقولون، وَلَدَ اللهُ وإنّهم لكاذبون، أصطفى البناتِ على البنين، مالكم كيف تحكمون» (الصافّات، 149- 154). ومن «بَنات» هذه جاء اسم الإلهة مَناة، لأنّ الميم والباء تتعاقبان مثل «أم» و«أب» اللذان هما في الأصل «حُبّ». وكانت قريش تطوف بالكعبة وتقول: «واللات والعزّى، ومناة الثالثة الأخرى، فإنّهن الغرانيق العلى، وإنّ شفاعتهن لترتجى»، وكانوا يقولون بنات الله جلّ وعزّ، وهن يشفعن إليه، فلما بعث رسوله صلّى الله عليه وسلم، أنزل عليه: «أفرأيتم اللات والعزّى ومناة الثالثة الأخرى، ألكم الذكر وله الأنثى، تلك إذا قسمة ضيزى، إن هي إلّا أسماء سمّيتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان». (النجم، 19- 23). والأصنام الثلاثة المذكورة في القرآن الكريم إناث ملائكية عند العرب في الجاهلية.
تُعتبر الإلهة فَنَاديس في الإسْطارة الإسكندنافية إلهة الجمال والحبّ والخصوبة، والحرب. كانت تُعبَد في سياق يتداخل فيه الجمال مع القوّة والغموض، وتمثّل الجانب الحيوي والمغري للحياة، بالإضافة إلى الجانب المرتبط بالحرب والموت حيث كانت تُشارك في اختيار المحاربين المقتولين ليذهبوا إلى «فولكفانغر» fólkvangr، قد تكون الإلهة «فَناد» vanad-is هي الإلهة «مَناة» manat-is عند العروبيين قديما، فالحرف «d» يتعاقب مع «t»، وكلمة «مَناة» أصلها «بَنات» التي تحوّلت إلى vanad فالحرف «v, f» يُبدل من باء، فأصلها banad، نجد كلّ هذه التحوّلات الحرفية في الكلمات الكلزية: father, mother, brother، وهي جميعا في الأصل كلمة واحدة، فأصلها «أثير» أي المكين المكرّم، وقد عبد العرب اللات والعزّى ومناة لتقرّبهم إلى الله زلفى، لأنّهم جعلوها على صورة الملائكة التي اعتقدوا أنّها بنات الله، كما ربطت الشعوب الاسكندنافية «فناد» بالجمال للاعتقاد العام في أنّ الملائكة على جمال كبير.
- تاريخ العرب قبل الإسلام. الربيز: محمد سهيل طقوش. دار النفائس، الطبعة الأولى، 1430، 2009م. بيروت، لبنان.