أحد الخطوط العربية القديمة الجليلة، يتميّز بميل إلى التربيع والجفاف والقوّة، وهو خطّ صاعد ومُلصّص في عموم أنواعه، ذو نسب معتدلة قياسا بأشكال الخطوط العربية الأخرى، له طواعية كبيرة في الامتداد الأفقي، والخطّ الكوفي يتنوّع أنواعا بحسب الأقاليم التي جودته. كان مبدأ الخطّ الكوفي في مدينة الكوفة التي أنشأها العرب على مقربة من الحيرة عاصمة اللخميين بين عامي 17 و19 فأستأثر باسمها، وذهب الكثير إلى أنّ الخطّ الكوفي قد وُجد قبلها في الحيرة والرها ونصيبين، إذ ليس من المعقول أنّ ينشأ بين عشية وضحاها مع إنشاء الكوفة خطّ محكم بهذا الكمال، ولكن المعقول أنه حين أُنشئت الكوفة وصارت مركزا دينيا وسياسيا للدولة الإسلامية ناله التجويد والتحسين، ما جعله يُميّز لكتابة المصاحف لجلاله وروعته، ولعلّ ذلك الخطّ كان يُسمّى الجزم من قبل. وقد شاع هذا الخطّ في العالم الإسلامي كلّه شرقه وغربه، فزادوا في تحسينه وتجويده، حتى غدا لكلّ صُقْعٍ نمط من هذا الخطّ يختلف قليلا أو كثيرا عن الكوفي الأوّل، فظهر في المغرب القيرواني والأندلسي، وفي المشرق العُبيْدي والنيسابوري والجركسي والمملوكي والشامي.
يتميّز الخط الكوفي بميل إلى التربيع والجفاف، وإذا ما قورن بالخطوط الليِّنة فإنّه يمتنع فيه التجليف والتشظية والترويس والطمس، لأنّ الطمس لا يليق بالخطّ الجليل، كما لا تُرتق حاؤه ولا تعرّق جيمه، وليس للهمزة فيه صورة، لذلك فهي لا تثبت قطّ، ومن الأصول الفنّية التي تنعدم في هذا الخطّ عدم التساوي بين صعوده وحدوره، فهو في مجموعه خط صاعد يقلّ فيه تحدّر الحروف وهبوطها عن مستوى الساي، فلا يكاد ينزل من الحروف عن ذلك المستوى نزولا محسوسا إلاّ عراقات النون والواو، أمّا بقية العراقات فقد اختزلت اختزالا يكاد يُصبح قاعدة من قواعده، ومن العراقات التي اختزلت في كثير من الأحوال، عراقات الجيم والعين واللام في حالات الانتهاء، وطغت روح الاختزال على عراقتي الراء والنون في عصور متأخّرة فكادتا لا تنحدران كثيرا عن الساي وهو مستوى التسطيح. وقد سقط من تعداد الخطوط التي عرفتها الكوفة، ذلك الخطّ الليِّن الذي استعملته الكوفة في التدوين والتحرير، لأنّ بلادا أخرى غير الكوفة شاركتها فيه، وبقي معروفا باسم الكوفي نوعان، الخط الكوفي التذكاري، والخطّ الكوفي المصحفي، وذلك حسب وظيفة كلّ منهما.