معجم المصطلحات الكبير
إسْرائيليات
الإسلام

الإسرائيليات، جمع إسرائيلية نسبة إلى بني إسرائيل، ويقصد بالإسرائيلية الخبر أو القول أو الحادثة المروية عن مصدر إسرائيلي تدخل في تفسير القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية أو في الثقافة الإسلامية عموما، وكلّ ما كان عن بني إسرائيل سواء من كتبهم أو علمائهم أو من دسّهم داخل في مسمّى الإسرائيليات. ومعنى الإسرائيليات أعمّ وأشمل على ما نسب إلى اليهود، بل يضمّ الأخبار الواردة من المصادر اليهودية والأخبار الواردة من المصادر النصرانية أيضا، وما تأثّرت به الثقافة الإسلامية من هذين المصدرين، وقد أطلقوا على جميع ذلك لفظ الإسرائيليات من باب التغليب للجانب اليهودي على الجانب النصراني، فهو الذي كثر عنه النقل لكثرة اختلاطهم بالمسلمين منذ بداية ظهور الإسلام. يطلق المسلمون في الغالب واليهود أيضا لفظ التوراة على كلّ الكتب المقدّسة عند اليهود، بما فيها الزبور وأسفار الأنبياء. وتسمّى التوراة بما اشتملت عليه من الأسفار الموسوية وغيرها: العهد القديم. كان لهم أيضا بجانب التوراة المكتوبة سنن ووصايا وشروح وشرائع دينية، وتفاسير وتعاليم لم تؤخذ عن موسى بالكتابة، إنّما تناقلوها مشافهة، ونمت بمرور الوقت وتعاقب الأجيال، حتّى أصبح من الصعب حفظها في الذاكرة، وخوفا من نسيانها وفقدانها دوّنها الحاخامون كتابةً باسم التلمود، وقبلت كسُنّة من سيدنا موسى عليه السلام، ووُجِد بجوار ذلك الكثير من الأدب اليهودي والقصص، والتاريخ والتشريع والأساطير. أمّا النصارى فقد كانت ثقافتهم مستمدّة من الإنجيل، والأناجيل المعتبرة عندهم يطلق عليها اسم: العهد الجديد، ويشتمل السِّفْريل bible عند النصارى على العهد القديم والعهد الجديد. والواقع أنّ ما دخل في الثقافة الإسلامية من النصرانيات شيء قليل بالنسبة إلى ما فيها من الإسرائيليات الصريحة، ولا يكاد يذكر بجانبها، وليس لها ما للإسرائيليات من آثار سيّئة، إذ معظمها في الأخلاق والمواعظ، وتهذيب النفوس، وترقيق القلوب. يرى الباحثون في الإسرائيليات أن هذه الأخبار الواردة عن أهل الكتاب هي على ثلاثة أحوال:

  • أحدها: ما عُلم صحّته ممّا بأيدينا ممّا يشهد له بالصدق؛
  • الثاني: ما علمنا كذبه بما عندنا ممّا يخالفه؛
  • الثالث: ما هو مسكوت عنه لا من قبيل الأوّل ولا من قبيل الثاني، فلا يصدّق ولا يُكذّب.

وهذا التقسيم لا يفيد في شيء، ذلك أنّ الصحيح عندنا لا يحتاج إلى تعضيده بما في التوراة والإنجيل، والكذب مردود مهما كان نوعه، أمّا ما كان مسكوتا عنه، فيوقعنا في الظلال، لأنّه دخيل على المنهجية المعرفية القرآنية، ومتعلّق بالمعرفة البشرية في مرحلتها البدائية، حيث كان الإيمان بالخرافات لا يشكّل أي معضلة منهجية معرفية، مثل: ربط ذي القرنين خيله بالثريّا، أو أنّ البحار يمكن أن تشتعل. فالقرآن منضبط على مستوى الحرف والكلمة والآية والسياق، فالكلمة في القرآن استعملت استعمال المصطلح في العلوم الكونية، فلا يمكن أن يكون هناك ترادف أو تشارك لفظي أو تضاد. ويمكن تقسيم الإسرائيليات إلى نوعين:

الإسرائيليات البَرِيئة : اشتمل السفريل على كثير ممّا اشتمل عليه القرآن الكريم، لا سيّما ما كان له تعلّق بقصص الأنبياء عليهم السلام، وذلك على اختلاف في الإجمال والتفصيل، فالقصص القرآني يتميّز بمواطن العظة والأخلاق والعقيدة، أي يتخيّر جوهر الموضوع، على خلاف السفريل الذي يتعرّض للتفاصيل في القصّة كذكر أسماء الأشخاص والأماكن والبقاع، ونوع الشجر، كالذي نهى الله آدم عن الأكل منه، إلخ. ولكثرة من دخل من أهل الكتاب في الإسلام، وكان لا يزال عالقا بأذهانهم من الأخبار ما لا يتّصل بالعقيدة والأحكام الشرعية، كأخبار بدء الخليقة، وأسرار الوجود، وبدء الكائنات، والكثير من القصص، وتعليل بعض الظواهر الكونية، كالرعد والبرق والخسوف والكسوف، فكان الرجوع إلى أهل الكتاب مصدرا من مصادر التفسير عند الصحابة رضي الله عنهم، فقد يمرّ بعضهم على قصّة من القصص القرآني فيجد من نفسه ميلا إلى أن يسأل عن بعض ما طواه القرآن منها ولم يتعرّض له، فلا يجد من يجيبه على سؤاله سوى هؤلاء النفر الذين دخلوا في الإسلام وحملوا معهم إلى أهله من ثقافتهم الدينية السابقة، فألقوا إليهم ما ألقوا من أخبار وقصص دينية، مثل: عبد الله بن سلام، فهو عالم من علماء أهل الكتاب الذين جمعوا علم التوراة وعلم الإنجيل، ولا يوجد من أئمة الإسلام وعلماء الحديث الذين نقدوا الرجال من ناله بتهمة أو مسَّه بتجريح، وما صحّ عنه من بعض الروايات الإسرائيلية فمن هذا الصنف البريء، لا سيّما وأنّ القرآن يتّفق مع السفريل في ذكر بعض المسائل، مع فارق واحد: وهو الإيجاز في القرآن والبسط والإطناب في السفريل. ومن هذا النوع ما روي في تفسير «ق» أنّه الجبل المحيط بالأرض، و«ن» أنّه الحوت الذي على ظهره الأرض. وقد ورد أثر عن علي أنه سأل يهوديا: أين النار؟ فأشار إلى البحر وقال: هذا، فقال علي رضي الله عنه: ما أراه إلا صادقا؛ لأن الله يقول: «والبحرِ المسجور» (الطور، 6) أي: المشتعل.

الإسرائيليات الكَيْدِية : كان الرسول عليه الصلاة والسلام مدركا للخطر الذي يهدّد الإسلام من جهة اليهود الموجودين بين المسلمين، لذلك أحكم غلق هذا الباب، لاسيّما وقد نبّهه القرآن لذلك بقوله: «واحذرهم أن يفتِنُوك عن بعض ما أنزل الله إليك» المائدة 49، وقد غضب الرسول عليه الصلاة والسلام من عمر رضي الله عنه، لأنّه كان يقرأ في صحيفة من صحفهم، وصحّ عن ابن عبّاس أنّه قال: «كيف تسألون أهل الكتاب عن شيءٍ وكتابكم الذي أُنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلّم أحدث، تقرؤونه محضا لم يشب؟ وقد حدّثكم أن أهل الكتاب بدّلوا كتاب الله وغيّروه، وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا: هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا، ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم، لا والله ما رأينا منهم رجلا يسألكم عن الذي أنزل عليكم». لذلك كان لا بدّ أن يُكسر هذا القفل، فدسّوا في حديث أخرجه البخاري وأحمد في مسنده «حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»، ونصّه: «بلّغوا عنّي ولو آية، وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار»، بينما هو عند مسلم: «وحدّثوا عنّي ولا حرج».

وإمعانا منهم في الهدم وفتح الثغور، أوردوا أيضا عن عمر نفسه وابن عباس وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم روايات عن بني إسرائيل صحّت أسانيدها، لإثبات أصل القضيّة، ولمّا جاء عصر التابعين كانت الأبواب قد شُرّعت لاستيطان الأساطير اليهودية وخرافاتهم في الإسلام من دون رادع ولا قيود، لا سيّما إذا علمنا أنّ العقلية الإحيائية البدائية التي كانت سائدة في ذلك العصر تتقبّل هذا النوع من الخرافات، فقد كان الناس يعيشون في عالم طفولي الفكر، لا يستطيعون أن يميّزوا بين الحقيقة والخيال، وهو التمييز الواضح والمطلوب في حالة رجال ذوي تعليم عقلاني فعّال، فتوسّعوا في الأخذ عن أهل الكتاب، فكثرت على عهدهم الروايات الإسرائيلية، وحشوا كتب التفسير بالكثير من القصص المتناقض، والعجائب التي لا يقرّها عقل. وقد روى البخاري (ت 256)، قال: وقال أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني حميد بن عبد الرحمن سمع معاوية يحدّث رهطا من قريش بالمدينة، وذكر كعب الأحبار، فقال: «إن كان من أصدق هؤلاء المحدّثين الذين يحدّثون عن أهل الكتاب، وإن كنّا مع ذلك لنبلو عليه الكذب». فإذا كان حال أصدق المحدّثين عن أهل الكتاب، يُبلا عليه الكذب، فما حال الرواة الآخرين الكذبة المختلقين للأخبار؟ وأورد ابن كثير في تفسيره أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال لكعب الأحبار: أنت تقول إن ذا القرنين كان يربط خيله بالثريا؟ فقال له كعب: إن كنت قلت ذلك، فإن الله تعالى قال: وآتيناه من كل شيء سببا.

ومن أسباب وجود هذا النوع الخبيث، الشعوبية الدينية، فقد كان اليهود يقسّمون الإنسانية إلى مرتبتين: اليهود، أبناء الله وأحبّاؤه، والأغيار الذين هم أدنى منزلة من اليهود، وأعلى قليلا من الحيوانات. فلمّا جاء الإسلام، وأخرج العرب من الظلمات إلى النور، وعلّمهم الكتاب والحكمة، حسدوا العرب على ما آتاهم الله من فضله، قال تعالى: «ما يودّ الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزّل عليكم من خير من ربّكم، والله يختص برحمته من يشاء، والله ذو الفضل العظيم» (البقرة، 105) لذلك جاءت الكثير من الإسرائيليات تشير إلى علو منزلة أنبياء بني إسرائيل على منزلة الرسول عليه الصلاة والسلام، وبالتالي علو شأن اليهود أنفسهم ورفعتهم على العرب، وأنّ التوراة أفضل من القرآن، وليس القرآن ناسخا لها، لا سيّما أنّ القرآن ذكر التوراة وأنبياءهم وأثنى عليهم.

من ذلك ما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لمّا خلق الله آدمَ مسح على ظهره فسقط من ظهره كلُّ نسَمة هو خالقُها من ذرّيّتِه إلى يوم القيامة وجعل بين عينَيْ كلّ إنسان منهم وبيصا من نور، ثمّ عرضهم على آدمَ، فقال: أي ربِّ من هؤلاء، قال: هؤلاء ذرِّيّتك، فرأى رجلا منهم فأعجبه وبيص ما بين عينَيْه فقال أي ربّ من هذا، فقال: رجل آخر الأممِ من ذرّيّتك يقال له داود، قال: أي ربِّ كم جعلتَ عمرَه، قال: ستّين سنة، قال: أي ربّ زِدْه من عمري أربعين سنة، فلمّا انقضى عمر آدم جاء ملك الموت، فقال آدم: أوَلم يبقَ من عمري أربعون سنة، قال: أوَلم تُعطِها ابنك داود، قال: فجحَد وجحَدت ذرِّيّته، ونسِي فنسِيَت ذرِّيُّته، وخطِئ فخطئت ذرِّيّته». وهذا الحديث من وضع اليهود، حيث نلاحظ التركيز على اليهود، بذكر داود عليه السلام من دون سائر أبناء آدم، وأنّهم آخر الأمم، ثمّ إنّ اليهود هم الذين عُرف عنهم الكذب على الأنبياء والحطّ من قدرهم ممّا يخلّ بعصمتهم مثلما نجده في هذا الحديث من جحد آدم ونسيانه وخطئه، وليس هذا فحسب، بل إن الذي يدلّ على بطلانه أكثر، أنّ العمل بالخطيئة يُورّث، وأنّ الآجال يمكن أن توهب وتستعاد، وهذا غير صحيح، زيادة على هذا أنّ داود ليس رجلَ آخر الأمم.

من ذلك أيضا ربط فرض الصلاة بليلة الإسراء والمعراج، وهي خدعة إسرائيلية مقصودة، أراد اليهود من خلالها إظهار موسى بالعلم والمعرفة والرحمة على خاتم النبيين، والتقليل من شأن النبي الخاتم، وإظهاره بمظهر المتلقّي عن موسى، بما يبطل إمامة محمّد لموسى عليهما الصلاة والسلام، وبما يبطل نسخ القرآن للتوراة. ثمّ افتروا على الله الكذب حينما قالوا إنّ الله فرض علينا خمسين صلاة في اليوم والليلة، وهذا وحده يكلّف عشر ساعات لو قمنا به، فما يبقى لأكلنا ونومنا وسعينا في الأرض؟ وقد أراد بعض المفسّرين التوفيق بين ما ألبسه اليهود عليهم في أمر الخمسين صلاة ودور موسى في ذلك، فقالوا بنسخ الخمسين وبقاء أجرها. بدأت الصلاة في مكّة قبل الإسراء بعشر سنين، أي منذ نهاية السنة الأولى للبعثة أو بداية السنة الثانية، ثمّ تدرّجت فقُسّمت بين الليل والنهار، فقد بدأت ليلية في مكّة ثمّ نهارية في المدينة المنوّرة بعدما أضيف لها من ركعات.

عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فرض الله على أمتي خمسين صلاة، فرجعت بذلك، حتى آتي على موسى، فقال موسى: ماذا افترض ربك على أمتك؟ قلت: فرض علي خمسين صلاة، قال: فارجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعت ربي، فوضع عني شطرها، فرجعت إلى موسى فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك فراجعت ربي، فقال: هي خمس وهي خمسون، لا يبدل القول لدي، فرجعت إلى موسى، فقال: ارجع إلى ربك، فقلت: قد استحييت من ربي». رواه ابن ماجه. نلاحظ سَيْر مراجعة النبي عليه الصلاة والسلام لربّه في أمر الخمسين صلاة في ليلة المعراج، بما يتوافق مع قصّة التوراة حينما جاء يهوه نفسه مع اثنين من الملائكة إلى إبراهيم عليه السلام، وراجعه إبراهيم في هلاك قوم لوط: «فتقدّم إبراهيم، وقال: أفتهلك البارّ مع الأثيم؟ عسى أن يكون خمسون بارّا في المدينة أفتهلك المكان ولا تصفح عنه من أجل الخمسين بارّا الذين فيه؟... فقال الربّ: إن وجدت في سدوم خمسين بارّا فإنّي أصفح عن المكان كله من أجلهم، فأجاب إبراهيم وقال: إنّي قد شرعت أُكلِّم المولى وأنا ترابٌ ورماد، ربّما نقص الخمسون بارّا خمسة، أتهلك كلّ المدينة بالخمسة؟ فقال: لا أُهلك إن وجدت هناك خمسة وأربعين، فعاد فكلّمه أيضا وقال: عسى أن يوجد هناك أربعون، فقال: لا أفعل من أجل الأربعين، فقال: لا يسخط المولى فأتكلّم، عسى أن يوجد هناك عشرون، فقال: لا أهلك من أجل العشرين، فقال: لا يسخط المولى فأتكلّم هذه المرّة فقط، عسى أن يوجد هناك عشرة، فقال: لا أهلك من أجل العشرة، وذهب الربّ عندما فرغ من الكلام مع إبراهيم، ورجع إبراهيم إلى مكانه» (سفر التكوين، الإصحاح 18).

مثل هذا أيضا ما رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: استبّ رجلان رجل من المسلمين ورجل من اليهود، قال: المسلم والذي اصطفى محمدا على العالمين، فقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين، فرفع المسلم يده عند ذلك فلطم وجه اليهودي، فذهب اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم المسلم فسأله عن ذلك فأخبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيروني على موسى فإنّ الناس يصعقون يوم القيامة فأصعق معهم فأكون أوّل من يفيق فإذا موسى باطش جانب العرش فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله. صحيح البخاري (2280). وهذا الحديث لا يصحّ ، وهو من كذب اليهود، لأنّه لا يفرّق بين الساعة ويوم القيامة، فالصعق لا يكون في يوم القيامة، بل يكون للأحياء في يوم الساعة عند النفخ الأوّل في الصور، وهو اليوم الذي يختلّ فيه النظام الكوني وتُدكّ الجبال وتضع كلّ ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، أمّا يوم القيامة، فهو يوم البعث والنشور، يوم يخرج الناس من الأجداث للحساب عند النفخ الثاني في الصور، والرسول عليه الصلاة والسلام مع موسى من الأموات لا يصعقان عند النفخ الأوّل في الصور، ثمّ إنّ الحديث قد جعل العرش الذي هو أعظم مخلوقات الله مثل عروش ملوك أهل الأرض حيث يمكن للإنسان أن يقبض بيده على جانبه أو يأخذ بقائمة من قوائمه، ففي حديث سعيد الخدري: «فإذا أنا بموسى آخذ بقائمةٍ من قوائم العرش».

في تفسيرات القرآن الكريم نجد معنى قوله تعالى: «وجعلنا ذرّيتَه همُ الباقين» (الصافّات، 77)، أي ذرية نوح هم الذين بقوا في الأرض بعد مَهْلِكِ قومِه، وذلك أنّ الناس كلّهم من بعد مَهْلِك نوح إلى اليوم إنّما هم ذريّة نوح. وجاء في الحديث الذي رواه الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم في قول الله تعالى: «وجعلنا ذرّيتَه هم الباقين، قال: حام، وسام، ويافث». أخرجه الترمذي، وأحمد، والروياني، والطبري. وهذا الحديث من الإسرائيليات، فالتوراة هي التي تحدّثت عن هؤلاء وذكرت أسماءهم، أمّا القرآن الكريم فقد قال بخلاف ذلك، فمعنى قوله تعالى: «وجعلنا ذرّيتَه همُ الباقين» أنّ ذريّة نوحٍ هلكت كلّها مع الباقين، الذين قال تعالى في شأنهم «ثمّ أغرقنا بَعْدُ الباقين». الشعراء (120). ثمّ إنّ الله تعالى ذكر بني إسرائيل على أنّهم ليسوا من ذرّية نوح عليه السلام بل هم ذرّية من حمل الله مع نوح، قال تعالى: «وآتينا موسى الكتابَ وجعلناهُ هدًى لبني إسرائيل ألاّ تتّخذوا من دوني وكيلا (2) ذرّية من حملنا مع نوحٍ إنّه كان عبدا شكورا (3)» الإسراء.

من ذلك أيضا ما رواه مسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا قاتل أحدكم أخاه فليتجنّب الوجه، فإنّ الله خلق آدم على صورته». ومثله ما روى ابن أبي عاصم في السنّة عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا تقبحوا الوجوه فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن». والواقع أنّ هذا من الإسرائيليات، فقد جاء في سفر التكوين الإصحاح الأوّل، العدد 27 «فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكرا وأنثى خلقهم».

أمّا من مثل ما جاء من النصرانيات، فما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى يقول يوم القيامة: يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني، قال: يا رب، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده، يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا رب، كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني، قال: يا رب، كيف أسقيك، وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي. ومثل هذا في إنجيل متّى، الإصحاح 25:

«(31) ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القدّيسين معه، فحينئذٍ يجلس على كرسي مجده؛ (32) ويجتمع أمامه جميع الشعوب، فيميّز بعضهم من بعض كما يُميِّز الراعي الخراف من الجِداء؛ (33) فيُقيمُ الخرافَ عن يمينه والجداء عن اليسار. (34) ثمّ يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يا مُبارَكي أبي، رِثوا الملكوت المعدّ لكم منذ تأسيس العالم؛ (35) لأنّي جعت فأطعمتموني، عطشت فسقيتموني، كنت غريبا فآويتموني؛ (36) عُريانا فكسوتموني، مريضا فزرتموني، محبوسا فأتيتم إلي؛ (37) فيجيبه الأبرار حينئذ قائلين: يا ربّ، متى رأيناك جائعا فأطعمناك، أو عطشانا فسقيناك؟ (38) ومتى رأيناك غريبا فآويناك، أو عُريانا فكسوناك؟ (39) ومتى رأيناك مريضا أو محبوسا فأتينا إليك؟ (40) فيجيب الملكُ ويقول لهم: الحقَّ أقول لكم: بما أنّكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر، فبي فعلتم. (41) ثمّ يقول أيضا للذين على اليسار: اذهبوا عنّي يا ملاعينُ إلى النار الأبدية المُعدَّةِ لإبليس وملائكته؛ (42) لأنّي جعت فلم تطعموني، عطشت فلم تَسْقوني؛ (43) كُنتُ غريبا فلم تأووني، عريانا فلم تَكسوني، مريضا ومحبوسا فلم تزوروني؛ (44) حينئذ يجيبونه هم أيضا قائلين: يا ربّ، متى رأيناك جائعا أو عطشانا أو غريبا أو عريانا أو مريضا أو محبوسا ولم نَخْدِمْكَ؟ (45) فيجيبهم قائلا: الحقَّ أقول لكم: بما أنّكم لم تفعلوه بأحدِ هؤلاء الأصاغر، فبي لم تفعلوا؛ (46) فيمضي هؤلاءِ إلى عذابٍ أبديّ والأبرار إلى حياة أبدية».

تعليق

الإسرائيليات، جمع إسرائيلية، نسبة إلى بني إسرائيل، والنسبة في مثل هذا تكون لعَجُزِ المركّب الإضافي لا لصدره، فإسرائيل هو يعقوب عليه السلام، وبنو إسرائيل هم: أبناء يعقوب، ومن تناسلوا منهم فيما بعد، إلى عهد موسى ومن جاء بعده من الأنبياء، حتّى عهد عيسى عليه السلام، وحتّى عهد نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلّم، وقد عُرفوا باليهود من قديم الزمان، أمّا من آمنوا بعيسى عليه السلام، فقد أصبحوا يطلق عليهم اسم النصارى أو المسيحيين، أمّا من آمن بخاتم الأنبياء، فقد أصبح في عِداد المسلمين ويعرفون بمسلمي أهل الكتاب. نجد في القرآن الكريم أنّ لفظ «بنو إسرائيل» لا يُذكر إلاّ مقرونا بالنعمة والفضل، كما في مثل قوله تعالى: «يا بني إسرائيل اذكُروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوفِ بعهدكم وإيّاي فارهبون» (البقرة، 40). وكذلك «يا بني إسرائيل اذكُروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأنّي فضّلتكم على العالمين» (البقرة، 122). وكذلك «سَلْ بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بيّنة، ومن يُبدّل نعمةَ الله من بعد ما جاءتْه فإنّ الله شديد العقاب» (البقرة، 211).

أمّا كلمة اليهود فلا تُذكر في القرآن إلاّ وهي مقرونة بالكفر والعصيان كما في مثل قوله تعالى: «ولن ترضى عنْك اليهود ولا النصارى حتّى تتّبع ملّتهم» (البقرة، 120). وكذلك قوله تعالى: «وقالت اليهود يد الله مغلولةٌ، غُلّت أيديهم ولُعنوا بما قالوا» المائدة، 64. كما نجد أيضا أنّ المسيح عليه السلام كان لا يُخاطبهم في القرآن إلاّ بلفظ التكريم هذا «يا بني إسرائيل». أمّا في الإنجيل فكان يخاطبهم بالخِراف والشويهات، لا جرم أن ما ينقله الإنجيل هو تعيير الأمم الأخرى لبني إسرائيل، وأنّ ما كُتب فيه هو ما نُقل من أفواه الناس وليس من فم عيسى بن مريم عليهما السلام. أصل لقب إسرائيل في العربية على قواعد الاستفان «رأى إيل»، ومعناه رأى الله أي نظر إلى أوامره ونواهيه، أو نظر إلى الله في أقواله وأفعاله. الراعفة «إس» أداة تبجيل وتوقير مقتصرة من السيّد مثل «سي» في اللهجة الجزائرية المقتصرة من سيّد والتي تَقترِن بأسماء العلماء وحفظة القرآن، والسيد هو الحكيم بلغة حمير (الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام 157-224) فإسحق معناها حقّ لأنّه بشارة من الله جعلها الله حقّا، وإسماعيل أصلها مع إيل أي مع الله.

حاول أهل الحديث التوفيق بتكلّف ظاهر، بين الأحاديث المتعارضة في شأن النهي عن الأخذ من أهل الكتاب والإذن بالرواية عنهم، حيث لم تكن موازينهم التي وضعوها قادرة على ضبط كلّ صغيرة وكبيرة، لا سيّما مع قوم خبروا التدليس وتحريف الكلم عن مواضعه، وقالوا: إنّ جملة «وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» صحيحة ثابتة من ناحية المتن؛ لأنّها تدلّ على إباحة النبي صلى الله عليه وسلّم الحديث عن بني إسرائيل بعد أن كان قد نهى عن ذلك؛ خشية الفتنة قبل استقرار الأحكام الشرعية. حديث: «حدّثوا عنّي ولا حرج»، جزء من حديث رواه مسلم في صحيحه، قال: حدّثنا هداب بن خالد الأزدي، حدثنا همام، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: لا تكتبوا عنّي، ومن كتب غير القرآن فليمحه، وحدّثوا عنّي ولا حرج، ومن كذب علي، قال همام: أحسبه قال متعمّدا، فليتبوّأ مقعده من النار. أمّا الحديث «بلّغوا عنّي ولو آية، وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار» ففيه أبو كبشة السلولي أحد رواة الحديث، دسّ فيه ما ليس منه، فبدّل جملة «وحدّثوا عنّي ولا حرج» التي أوردها مسلم، إلى «وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»، وخطر هذه الرواية أنّها تجعل الحديث عن بني إسرائيل، في مستوى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لأنّها جاءت مقترنة بسياق التبليغ عنه والنهي عن الكذب عليه. ومثل هذا في الخطورة المقولة التي تنصّ على أنّ: شرع من قبلنا شرع لنا، حيث ذهبت طائفة من العلماء إلى أنّ شريعة من قبلنا لازمة لنا إلاّ ما دلّ الدليل على نسخه. فالإسرائيليات لم تتسرّب إلى التفسير فحسب بل وصلت إلى الأحكام الشرعية. من ذلك حدّ الرجم، فالرجم شريعة يهودية ثابتة منصوص عليها في التوراة، ولا علاقة للإسلام بها. وذهب الإمام مالك أنّ الأفضل في الأضاحي الكباش، ثمّ البقر، ثمّ الإبل، وعمدته في ذلك شرع من قبلنا فيما فعله إبراهيم عليه السلام من فداء ولده بكبش، وهذا من تأثير التوراة عليه، فهي التي أوردت التضحية بكبش، في حين يقول الله تعالى: «وفديناه بذبح عظيم»، والذبح العظيم لا يكون إلاّ جملا، لاسيما إذا علمنا أنّ إبراهيم كان يكرم ضيوفه بالعجول السمينة، فكيف يفدي الله تعالى إسماعيل عليه السلام بأقل من عجل؟

هناك حديث يرويه البخاري في باب الاستئذان، حديث: 6227؛ قال: حدّثنا يحيى بن جعفر، حدّثنا عبد الرزّاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلمّ، قال: «خلق الله آدم على صورته، طوله ستّون ذراعا، فلمّا خلقه قال: اذهب فسلّم على أولئك، نفرٍ من الملائكة جلوس، فاستمع ما يُحَيُّونك، فإنّها تحيّتك وتحيّة ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله، فكلّ من يدخل الجنّة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص بعدُ حتّى الآن»، ورواه أيضا مسلم في صحيحه، حديث عدده: 2841. بيّنت التجارب الحديثة استحالة وجود هَوْكل حيواني برّي يتجاوز ارتفاعه 30 قاسا، لأنّه سينهار تحت ثقله، وكلما كان ارتفاعه أقل، كان أصلب وأشدّ تماسكا وأكثر ملاءمة للحياة في البيئة البريّة، فإذا كانت الذراع تتجاوز قليلا نصف القاس، فإنّ طول الكائن الحي سيتجاوز بالضرورة الطول المناسب لبناء الأجسام، كما أنّ طبيعة الأنسجة العضلية لجسم الإنسان لا تساعد على ربط هوكل يقترب في حجمه من هذا الطول. وقد ظهر من المكتشفات الإسانية أنّ الجنس البشري لم يتغيّر حجمه في مدّة زمن وجوده على الأرض من بداية ظهوره إلى اليوم. ثمّ إنّ القرآن يؤكّد على ثبات طول أبناء آدم من خلال امتنانه على قوم عاد، حين زادهم في الخلق بسطة على غير العادة التي عليها البشر في الخلق.

مصطلح قريب

مراجع

  • محقّقون في تفسير القرآن الكريم. سفيان بن الشيخ الحسين، طبعة خاصّة متعوّثة. طبع على مطابع ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر.
  • الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير. الربيز: محمد بن محمد أبو شهبة. مكتبة السنّة، الطبعة الرابعة، 1408. القاهرة، مصر.
  • منهجية القرآن المعرفية، أسلمة فلسفة العلوم الطبيعية والإنسانية. محمّد أبو القاسم حاج حمد. الطبعة الأولى، 1424 (2003م). دار الهادي، بيروت، لبنان.