للإناسة تعريفات مختلفة تعود إلى اختلاف المدارس المتعدّدة التي تهتم بهذا النوع من العلوم الإنسانية، حيث نجدها عند الأنغلوسكسون تعني دراسة الإنسان بجوانبه المختلفة، مع غلبة الجِنْثِياء (علم الأعراق) والنِّفْسِياء الاجتماعية، بينما نجدها عند الفرنسيين هي الدراسة الشِّكْليائية (المورفولوجية) التفاضلية للهواكل البشرية، باستعمال الإناسة القياسية (القِسانة)، وتمتدّ إلى الدراسة التفاضلية للوظائف أيضا، أي الحِياوة البشرية. يمكن القول عموما إنّ موضوع الإناسة هو دراسة التاريخ الطبيعي والاجتماعي والحضاري للإنسان. أمّا القِسانة فهي دراسة مقاييس جسم الإنسان، ومقارنتها للوصول إلى نتائج علمية في الإناسة الطبيعية، وتشمل الدراسة قياس طول الأحياء، وهواكل (الهياكل العظمية) الأموات، وأهمّ مقاييسها: طول القامة، وحجم الجمجمة، وشكل الأنف، والعيون.
برزت الإناسة البريطانية من رحم اهتمامات نشطاء متحمّسين، ارتبطوا بحلقة متميّزة من محبّي الخير والعطاء من جماعة الكويكر Quaker المسيحية، حيث قادت شخصيات سياسية غير تقليدية ونشطاء الكويكر حملة مشروع محاربة مؤسّسة الرِّق في المستعمرات البريطانية، وعندما ألغي الرقّ في عام 1833م، حملت المجموعة نفسها قضية التانِئة (السكّان الأصليين) الجنوبيين الإفريقيين بواسطة العمل على تأسيس مَناب (برلمان) اللجان المختارة حول قضايا التانئة aborigènes، وبالتالي تشكيل جمعية حماية التانئة تحت شعار «كلّنا من دم واحد». كانت أهداف هذه الجمعية قد برزت بسبب ما لاحظه مؤسّسوها من التفاوت بين سلوك البريطانيين في الداخل وسلوكهم في الخارج، أي بين الإخلاص للأخلاق والحركات المدنية وبين «الأضرار التي ألحقناها والظلم والقهر الذي مارسناه والبشاعات التي قمنا بها والذنوب التي اقترفناها والتخريب الذي تسبّبنا فيه في المستعمرات» على حدّ ما جاء من تعبير في تقرير هذه الجمعية. حيث قدّمت في المنتدى الأوّل لها، المناقشات ونشرت التقرير الذي أعطى معلومات أصلية بخصوص شخصية القبائل غير المتحضّرة وعاداتها ورغباتها. وهكذا تبلورت بشكل منظّم وجُمعت ونُسّقت أوّل نقطة لنمو المنظور الإناسي، وقد ظهرت بعض التوتّرات بين من يريد تحسين حياة التانئة، وبين أولئك الذين كانوا يعطون أولوية أعظم لمهمّة دراسة التانئة لذاتها، ولقد قاد هذا مباشرة إلى التأسيس المنفصل في عام 1844م للجمعية الإناسية في لندن والتي كان لها نهجل بحثي كامل ينشد «البحث عن الصفات المميّزة في الشخصية لسكّان الأرض وفي الشكل الطبيعي والأخلاق، وتنوّعات النوع البشري، والتيقّن من أسباب مثل هذه الصفات».
ثمّ تدهورت عضوية هذه الجمعية فلم يبق منها سوى ثمانية وثلاثين عضوا، كانوا يسدّدون رسوم العضوية حتّى عام 1858م، وأصبحت ساحة خصومات، فكان يقود أعضاء الجمعية من الأساسيين «توماس هودكين» (1798-1866م) و«جيمس كاوِلز ريتشارد» (1786-1848م) وكلاهما من الكويكر، كان موقفهما الخلقي والفلسفي يقوم على وحدة الدم البشري، الذي يجري في كلّ النوع الإنساني، ويفضّلان تفسير التنوّع البشري بتأثير الفروق البيئية، وركّز آخرون على الفروق التشريحية بين المجموعات العرقية، تأثّرا ببعض الأفكار المعاصرة لهم والتي كانت رائجة في الفكر الفرنسي والفكر الألماني، وانحازوا إلى فكرة «التنوّع» أي تنوّع الأصول في شخصية النوع البشري، واعتبروا الفروق العرقية هي السبب في التنوّع الثقافي والخلقي للبشر.
كان صاحب هذا الموقف «جيمس هنت» (1833-1869م)، وهو طبيب، يهتمّ بإصلاح مشكلات النطق والكلام، وقد كان حفيل (سكريتير) الجمعية عام 1860م. استمرّ «هنت» في تبنّي النظرة العنصرية بحماسة كبيرة وضغينة، وفي سنة 1863م انفصل بفريقه ليؤسّس جمعية أخرى باسم الجمعية الإناسية الكندية، كان داروين لم ينشر بعد كتابه أصل الأنواع، لذلك وجد أعضاء هذه الجمعية أنفسهم في مواجهة لكلّ علماء الأناسة ذوي النزعة الإنسانية، والداروينيين الجدد، الذين كانوا يرون وحدة أصل الجنس البشري في تطوّره الحِياوي. سار «هنت» بعد أن انضمّ إليه أكثر من خمسمئة عضو في مسار مهني سعى إلى تتبّع مجادلاته وجذب بعض الشخصيات المشهورة من أمثال المستكشف في إفريقيا وجزيرة العرب «ريتشارد بيرتون»، شكّل مع مناصريه حلقة عشاء باسم «نادي آكلي لحوم البشر»، ثمّ لمّا أصبح هذا التحالف بقيادة «توماس هكسلي»، عندها فقط أمكن تبنّي مصطلح «الأنثروبولوجيا» ودمجه في اسم الجمعية المتّحدة والتي تسمى اليوم «بالمعهد الملكي للأنثروبولوجيا». هذا التاريخ الموجز يبيّن لنا أنّه عن طريق ذهنياء المؤسّسين الأوائل لحركة مناوأة الرق وجمعية حماية التانِئة ظهرت أسس الإناسة والتفسيرات العرقية أو العنصرية للفروق الثقافية التي تمّ التنازل عنها، وقد ظلّت عنصرية «جيمس هنت» يتردد صداها لوقت طويل في «المعهد الملكي للأنثروبولوجيا».
|
anthropology
يشمل مصطلح anthropology في اللغة الكلزية أيضا دراسة الخصائص الاجتماعية والثقافية للبشر، والتي تمّ تحديدها باللغة الفرنسية من خلال مصطلح ethnologie، وفي العربية بالجِنْثِياء. ومع ذلك، فإن مصطلح anthropologie الفرنسي والإناسة العربي، يستعملان بشكل متكرّر في معنى المصطلح الكلزي.
|
- الأنثروبولوجيا، حقل علمي واحد وأربع مدارس. إعداد: فريدريك بارث، أندريه غينغريتش، روبرت باركن، سيدل سيلفرمان. محاضرات: هالِه. ترجمة أبو بكر أحمد باقادر، إيمان الوكيلي. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قطر، الطبعة الأولى، 2017م. بيروت، لبنان.
- قاموس الأنثروبولوجيا، إنكليزي-عربي. الربيز: شاكر مصطفى سليم. الطبعة الأولى، 1981م. جامعة الكويت.